lundi 16 février 2015

الشعب، مصدر القانون وترجمان الدستور.






"إذا الشعب أراد، يريد القانون" بهذه الكلمات البسيطة، يمكن تلخيص النظرية الحديثة للقانون. و تتبلور هذه النظرية على مستويين اثنين. 

الشعب و الدستور و الثورة.

 المستوى الأول، مستمدّ من نظرية العقد الاجتماعي لروسو و من المادة 6 لإعلان حقوق الإنسان ; والمواطن لسنة 1789 و من القانون العام النابع من الثورة الفرنسية. و قد ساهم كاراي دي مالبارق  Carré de Malberg في ترويج هذه الفكرة في أوساط رجال القانون المتكونين في مناخ المدرسة الرومانية الجرمانية، عبر كتابه "القانون كتعبير عن الإرادة العامة"[1]. ذلك يعني أن الإرادة العامة تشكّل نقطة الصفر لتكوين المنظومة القانونية. و في عالم اليوم، تًََعتبر الانتخابات عن طريق الاقتراع العام السرى و المباشر و الاستفتاءات طرقا عملية لتجسيم هذه النظرية.
      الثورة، في حقيقة الأمر و في هذا الإطار النّظري، يمكن أن ينظر إليها كعودة إلى نقطة البداية – نقطة الصفر- للمفهوم الديمقراطي للقانون. الثورة في الواقع تعني أن الشعب، أو "الأمة" كما عبّر عنه الفرنسيون في سنة 1789، وهو صاحب السيادة، وبالتالي أصل الحق و القانون، يحقّ له في أي وقت أن يسترجع حقّّّه الأصلي في أن يضبط معالم دستوره أو يعدّلها أو يغيّرها علما وأنّ هذا الدستور هو المصدر الشكلي الأوّل لنظام الحقوق والقانون.
      أمّا المستوى الثاني، و هو عودة إلى أفكار مونتسكيو وسياياس Sièyes، و لكن على حساب نظريّة روسو كما اعترف به صراحة كاراي دي مالبارق، فإنّه يستخدم نظرية الوكالة و النيابة والتمثيل. و في هذا السياق، يقع تفويض سنّ القانون للسلطة التشريعيّة ويصبح القانون تعبيرا عن إرادة ممثلي الشعب[2].
هذه الفلسفة العامة للقانون هي، في جوهرها، وعلى مستوييها، مؤسّسة على مفهوم دنيوي وزماني للحقوق و القانون.  إنّها قائمة على تلازم و استقلاليّة وحدة الإنسان و العالم و الزمان و الناموس. بقطع النّظر عن أيّ مرجح فوقي. فالإنسان في مجتمعها المدني سيد نواميسه و قوانينها، وتقسيم الزمان إلى دنيوي عابر و أخروي أزلي لا يسترعي اهتمامه، حتى و إن آمن في أعماق اعتقاده و قرار ضميره، أن هذا التقسيم حقيقة يقينيّة.
          يمكن أن يكون هذان المستويان، أي مستوى الإرادة العامة ومستوى التمثيل، متلازمين و متّحدين. و هذا حالهما في النظام الديمقراطي. ولكن، و في ظروف خاصة، قد يكونان منفكّين عن بعضهما البعض، بل متناقضين. فإذا فرضنا أنّ الهيكل التمثيلي فقد ثقة الشعب، فإنّنا نقبل بالتّالي أنّه يستحقّ الإسقاط من قبل مكوّنه المرجعي و هو الشعب. و في هذا ألافتراض نكون قد عدنا إلى نقطة البداية. وهذا ما يسمى في العلوم القانونيّة "ثورة".

النظرية الدينية الثيوقراطيّة للحقوق والقانون.

إذا قمنا بتحليل النظرية الدينية الثيوقراطيّة  للحقّ و القانون، فإنّنا نستنتج منه أنّه ليس بإمكانها أن تتبنى هذا المنطق ولا أن تتماشى معه، للسبب الآتي. فإذا اعتبر نظام فكري ما، أنّ هنالك شرائع إلاهية تلزم حتما حياة البشر وتقيّد كلا من مجال العبادة، والتنظيم الاجتماعي والسياسي والحقوق الفردية، فلا يمكن له أن يتصوّر، لا فكرة الشعب كصاحب السيادة و منبع الحقّ و القانون ولا فكرة الممثل المشرّع. فالسيادة، من هذا المنظار، راجعة لله وحده، أمّا الممثلون، كأهل الحلّ و العقد في الإسلام السنّي، فينحصر دورهم في استقصاء إرادة الله و تفقّّّه شرائعه و فهم مقاصدها الظاهرة منها و الباطنة، ليصلوا إلى استنباط الحكم و تقرير العدالة و صوغ التشريع الضروري للمجتمع و هذا هو معنى الاجتهاد.
           ولكن، و لاعتبار أن الضرورة الاجتماعية و الحتميّة التاريخيّة  تفرض التعايش بين النظامين الزمني والديني، وأن لا أحد منهما يستطيع أن ينكر الآخر تماما، فالنتيجة انهما مجبران على التّبادل و التلاحم و الالتقاح، بدرجات تتغيّر حسب المجتمع. و تبعا لذلك تصبح النظرية الدينية للحقوق والنواميس متأثّرة حتما بل مشتملة على عناصر اساسية للعلمنة و هي عناصر الزمنيّة و الدنيويّة.
        وتظهر هذه العناصر جليّا في المذاهب الدّينيّة للحقوق والنواميس، في أشكال مختلفة. فنجدها في تاريخ التشريع الإسلامي، من خلال الوسائل المختلفة الاجتهاديّة لتفسير الناموس الاول و هو الناموس الإلهي. و من أهمّ هذه التقنيّات  نذكر الاستحسان وحكم الضرورة و المصالح المرسلة والقياس وحكم الأعمال بالنيّات والتوبة و درء الحدود بالشبهات و البراءة الأصلية و ما إلى ذلك. وتشكّل جميع هذه العناصر مخارج تهدف في حقيقتها إلى تجنّب صرامة الناموس الإلهي أو تصلّبه أو عدم الاستكانة إليه على ضوء ما يمليه العقل أو تقتضيه المصلحة. هذه الظاهرة واقع تاريخي و تجريبي لا يمكن إنكاره و لكن لا احد من الفقهاء يعترف به رسميّا، فتبقى ظاهرة العلمنة المفروضة محصورة في خطاب فقهي محتشم و ثانوي لا يرتقي إلى المجال النظري المستقل ولا إلى الظهور الذي يتمتّع به الخطاب الفقهي الرسمي.  في سياق الثقافة القانونية الإسلامية، ينحدر كلّ اجتهاد فقهي عن النيّة التفسيرية للنّص و عن قصد النّاموس الإلهي وحده لتأويله. في هذا الإطار الفكري يجب على القانون الانسانى أن يكون بالضرورة متأصلا في القانون السمائي، و إلا صار منافيّا كليّا لجوهر  النظام الديني الذي يرى ان القانون الأعلى جزء من كلام الله يتجاوز الزمان والمكان والظروف.  
      لو تأمّلنا في الثورة التونسيّة من خلال المناقشات التى حفّت بوضع الدستور, لوقفنا على وجود مواجهة مباشرة بين هاتين الفلسفتين للحقّ والقانون. اولا، عند انبلاج الثورة، نادى شعب الثورة بوضوح بدستور جديد لدولة مدنيّة كهدف سياسي أساسي للثورة، وهذا الطلب لا يتماشى أصلا و النظرية الدينيّة للحقّ والقانون (القسم الاول(. و كلّ الفترة الانتقالية تتمثل تحديدا فى تجسيد هذا المطلب الشعبي. ثانيا، اثناء اعمال المجلس الوطني التاسيسي قام جدل حول موضوع العلاقة بين القانون الوضعي، كتعبير عن الارادة العامة، و الأحكم الشرعيّة الواردة فى النص الديني كتعبير عن الارادة الإلهيّة (القسم الثانى). وأخيرا يمكن اعتبار الانتخابات التشريعية والرئاسية في اكتوبر-نوفمبر 2014 كقراءة للدستور من قبل الشعب نفسه (القسم الثالث).

القسم الاول :ثورة في سياق الحركة الدستوريّة التونسيّة

تسلّم النظرية السياسية والقانونية الحديثة، بصفة عامة و مجرّدة، رمزية اكثر منها واقعيّة، بانّ شعبا، إذا ثار، فإنّه يعرب بذلك عن حقه فى ان يكون منشئا أو مؤسّسا لدستوره، وبالتالى، ان تكون نقطة العودة إليه.
ولكن ما معنى "شعب الثورة؟
إنّه فى الواقع، عدد قليل جدا من عشرات الآلاف من الاشخاص فى مجتمع معظمه لامبال  أو راض،  يغامرون بأنفسهم و إن فشلوا يصبحون  مارقين و معتقلين، متّهمين بالخيانة والتآمر. فالانتصار هو معيار التفرقة بين التمرد و أعمال الشغب من جهة و الثورة من جهة أخرى. و لا يمكن قبل النصر، وصف الحدث و لا تعريفه.  ينتحر من ينتحر وفي الشوارع ينتشر من ينتشر، ولكن دون ان يعرف هؤلاء ما هم فاعلون و إلى أين يسيرون. شأنهم شأن ألمحاربين، الفوز عندهم مأمول لا مضمون. يجتهدون و يجاهدون، يقتلون و يجرحون و يفتدون بأنفسهم أمام النّظام الجائر أو الاستبدادي العدو الذي فقد شرعيته لدى الشعب، و هم يرومون إسقاطه و لا يعرفون أكثر من ذلك إلى أن يسقط النظام أو تتغيّر قيادته.  فإن سقط  و اعترف بالرسالة فها هي  ثورة قد وقعت.
      احتجاج فرسالة و إسقاط فاعتراف، تلكم هي مكوّنات الثورة.  تتميّز باحتجاج ذي حجم معتبر و رسالة ذات بعد أخلاقي، و انتصار على السلطة السابقة يتبعه اعتراف من قبل السلطة الجديدة، دون اعتبار إن كانت السلطة الجديدة متكوّنة من بعض أشخاص العالم السياسي القديم، كما حدث في تونس، بل الأهمّ أن تزكّي رسالة الثورة و تخضع لها.

ثورة دنيويّة، مدنيّة و ديمقراطيّة.

 لو اعتبرنا مشهد الثورة التونسيّة على ضوء السيناريو الخاص بها في وقت اندلاعها، لأيّقنا  أنها كانت بعيدة كلّ البعد عن كلّ استلهام ديني، كانت شعاراتها ولافتاتها وملصقاتها وكلماتها وسلوكياتها الجماعيّة ثورة كرامة الإنسان وحريته تجاه ذويه من نوعه. و إن لم يصحّ القول بأنّ الثورة كانت علمانيّة وعيا وإرادة، إلا أنّها كانت ثورة زمنيّة ومدنية لا دينيّة، غير مكترثة بوضع الإنسان  أمام الله.  "المدنية" كانت هي راية الثورة.                                                                  
     أمّا الاسلاميّون من حركة النهضة، و بصفتهم ألدّ أعداء النظام السابق، و نتيجة كفاحهم واستحقاقهم النّضالية، فقد اكتسبوا مشروعيتهم بعد وقوع الثورة، و ذلك  مكّنهم من القبض على رسالة الثورة  لفائدتهم، ممّا جعلهم ينضمّون إلى فكرة أنّ الثورة ستكون "دستورانيّة"constitutionnaliste. ومن المعلوم عن الإسلاميين أنهم يساهمون في اللعبة الديموقراطيّة، للوصول إلى سدّة الحكم و يسقون عروقها بدم غريب عن طبيعتها،  مثلما تدلّ عليه التجربة المصريّة و بدرجة أقلّ حدة التجربة التونسيّة.
        هنالك حركات إسلامية أصوليّة مثل حزب التحرير أو أنصار الشريعة تظهر صراحة ما تضمره الحركات الإسلاميّة المسمّاة "معتدلة". و من الأخطاء الفادحة اعتقاد أن ما يسمى "الأحزاب المتطرفة" لا تمثل الإسلام، أو أنّها تخرج عن رسالته أو تتجاهل نصوصه التأسيسية.  و قد حاولت في "الفاتحة الثانيّة" أن أبيّن أن الرؤية الأصولية تمثل تأويلا ممكنا للنص التأسيسي و لتعبيره التاريخي، بل لربّما تكون هي الأقرب إليه[3]. فالأصوليّون ليسوا بمنعزلين بل نجد من ورائهم  لدعم وجهات نظرهم جمهور العلماء الكبار وأئمة الإسلام. إذا قرأنا، على سبيل ألمثال، بيان المتحدث الرسمي عن الدولة الإسلامية، المؤرّخ في 29 جوان 2014  الذي يحتوي إعلان إنشاء الخلافة، يذهلنا ما لديه من مرجعيّة علميّة، مجمع عليها إطلاقا من قبل الإسلام السنّي. وعلى غرار  تلك الحركات لا يعترف  حزب التحرير في تونس بالدستور ولا بالديمقراطية أو الانتخابات. بالنسبة له، الدستور الوحيد هو القرآن نصّا والخلافة منوالا، على النحو المبيّن في المشروع المشترك للشبكة الدولية لحزب ألتحرير، "مشروع دستور دولة الخلافة" الذي وزّع بتونس في نوفمبر 2011. في نشريّاته الدّعائيّة ينتقد فكرة المجلس التأسيسي ويرفض وضع القانون الانتخابي الذي يمثّل بالنسبة له تبديدا للطاقة والمال والوقت. يقول في إحداها:" لم يكن انتخاب مجلس تأسيسيّ أمرًا يراد منه إفراز ممثّلين عن الناس ليكونوا وكلاء في الرّأي عمّن انتخبوهم ويحاسبوا الحكّام، إنّما هو انتخابٌ يفرز مجموعة تشرّع للنّاس من دون الله، وتضع نظاما للبلاد تسير عليه وفق إملاءات المستعمر واشتراطاته. فهي فكرة استعماريّة خبيثة يُراد من ورائها تحقيق الأهدافا لتالية:... 1) التزام أعضاء المجلس التأسيسيّ بالنّظام الجمهوريّ ممّا يعني تكريس فكرة السيادة للشعب، وجعل التشريع للبشر من دون الله واستبعاد الإسلام نهائيّا عن تنظيم حياة المسلمين. لوقت[4]" و في أخرى يقول :" وكأنّ مجلسا تأسيسيا، يصل إليه الواصلون بقوّة المال السياسي القذر أو بدفع من جهات استعماريّة ساءها أن تثوروا وخشيت أن تسقط مشاريعها ومخطّطاتها، سيُحقّق أهدافنا وآمالنا في التحرر والانعتاق !  نرى بعض الناس مرتاحا لاختيار مجلس تأسيسيّ يضع للمسلمين شرعا غير شرع ربّهم! وكأنّنا شعب لا دين له ولا حضارة! ... أليس من المبكي أن يخرج مسلمون ويقولون بأنّهم مرتاحون لتحديد موعد لانتخاب مجلس يعلمون علما أنّه سيضع تشريعا بدلا من شريعة ربّكم الذي آمنتم به وستردّون إليه بعد موتكم. فماذا أنتم قائلون يومئذ؟[5]"                        ..          

الثورة و الدستور

وعلى نقيض هذه التيارات، قررت الثورة التونسية إعادة الوصل بتقاليدها التحرّريّة و تراثها الدستوري العميق.  فالدستور هو من أبرز الأفكار الرئيسية التي وجّهت تاريخ بلادنا منذ عهد الأمان سنة 1857 ودستور عام 1861 الشهير  المسمّى رسميّا " قانون الدولة ". منذ هذين النّصين التأسيسيين، مضى السياسيون  ينادون بالدستور، والمحلّلين ينظّرون له، و المؤرخون كذلك، و منهم ابن أبي ضياف، لا سيما من وجهة مواجهته بالشريعة. و صار موضوع استنشاد الشعراء، و على رأسهم الشيخ محمود قابادو[6]، كما تغنى بها الفنانون. وكان هو أصل الحركة القومية من خلال الحزب الدستوري، ثمّ الحزب الحرّ الدستوري الجديد.  من أجله أريق دّم التضحية فصار الشعب له فداء وخاصة عبر أحداث 9 أفريل 1938. و ضد الحماية استفتى الحزب الدستوري اثنين من مشاهير رجال القانون الفرنسي أندري فايس و جزاف برتلامي لإعطاء رأيهما في مسألة نفاذ دستور 1861. فصدرت فتواهما في 18  جويليّة 1921، وكانت ترى أن دستور1861   لا يزال موجودا قانونا وأنه باق "على سلامته القانونية رغم انتهاك الزمن[7]". كانت هذه الاستشارة وسيلة لمواجهة الحماية لصالح القوميين. انطلاقا من خطاب العرش في 15 ماي 1951 ومرة أخرى لغرض مواجهة الحماية شكّل القوميون لجنة الضمانات الدستورية والتمثيل الشعبي لتنظيم حملة وطنية تهدف إلى وضع دستور ديمقراطي وتمثيلي، يتوّج وحدة الشعب والملك[8]. بجانب ذلك و في نفس السياق أيّد المفكّر و الصحافي القومي زين العابدين السنوسي فكرة تواصل سريان عهد الأمان 1857 ودستور 1861 دون انقطاع عبر الزمن، في كتيب نشره عام 1952 بعنوان" الدستور التونسي[9]".  ويرى المؤلف أنّ عهد الأمان وقانون الدولة يشكّلان  "دستور الأمة التونسية" الذي وضع أسس الديمقراطية التونسية والحقوق الفردية، وأنه لا يزال صالحا من الناحية القانونية. وهو يبيّن، بالوثائق الداعمة، أن فشل دستور عام 1861، نسب زورا إلى ثورة علي بن غذاهم و هو في الواقع نتيجة لتلاعب سياسي من الحكومة الفرنسية المعادية لتطبيق الدستور من حيث المبدأ ومن أجل حماية مصالحها الاستعمارية.
  و لإحياء هذه التقاليد الدستورية البرلمانية والديمقراطية، و"عودة حياتنا من بين الدول الديمقراطية القديمة " يطالب المؤلف بإنشاء "الجمعية الوطنية التشريعيّة التأسيسية" تعيد النّظر في مواد الدستور وتعدّل ما يتطلب المراجعة على ضوء تطوّر العالم المتغيّر.  وسيتم الوفاء لرغبته بعد سنوات قليلة، ولكن بمعنى التأسيس لا التعديل. بعد خمسة أيام من الاستقلال، انتخب المجلس القومي التأسيسي لوضع دستور الدولة المستقلّة.  هذه الأحداث التاريخية هي المعالم الكبرى في هذا التطور السياسي التونسي حول محور مركزي ألا و هو الدستور المكتوب.
        وبالتالي فإن الثورة تندرج في سياق هذا الثراث  الدستوري. و يمثل هذا الأخير عند التونسيين أفكار التقدم والتحرّر والحرية.
           و إثر فرار بن علي، عاودت فكرة وضع دستور الظهور من جديد. و في  20 جانفي 2011، أعلنت "جبهة  14 جانفي[10]" في البيان التأسيسي المتكوّن من  14 نقطة، نقطة عدد4  جاء فيها :" حل مجلس النواب والمستشارين وكافة الهيئات الصورية القائمة والمجلس الأعلى للقضاء وتفكيك البنية السياسية للنظام السابق والإعداد لانتخابات مجلس تأسيسي في أجل لا يتجاوز سنة من أجل صياغة دستور ديمقراطي جديد ووضع منظومة قانونية جديدة لتأطير الحياة العامة تضمن الحقوق السياسية والاقتصادية والثقافية للشعب".  واصلت الفكرة دربها وفي  28 فيفري2011  تبنّاها "المجلس الوطني لحماية الثورة" وأيدها الاتحاد العام التونسي للشغل.  في هذا البيان أعلن المجلس الوطني لحماية الثورة: «ثانيا:  دعوة الرئيس المؤقت إلى حلّ الحكومة الحالية ... وتشكيل حكومة مؤقتة لتصريف الأعمال مشهود لأعضائها بالكفاءة وبعدم التورّط مع النظام السابق، وتنتهي مهامّها بانتخاب المجلس التأسيسي،  ولا يكون لأعضائها حقّ الترشّح للانتخابات اللاحقة  للفترة الانتقالية ( الرئاسية والتشريعية ). ثالثا : تعهّـد المجلس بتقديم خطّة متكاملة ومحدّدة في الصيغ القانونية والعملية وفي التوقيت،  من أجل انتخاب مجلس تأسيسي يضع دستورا جديدا للجمهورية ويتولى إدارة المرحلة الانتقالية تكريسا للشرعية الشعبية على أن ينحلّ المجلس الوطني لحماية الثورة فور انتخاب المجلس التأسيسي[11]". ثمّ اتخذ القرار النهائي يوم الاثنين 21 فيفري 2011 تحت ضغط الشارع و خاصة اعتصام القصبة 2 الذي رفع شعارات  "الشعب يريد دستور جديد" "انتخابات حرة"، "مجلس تاسيسي".
     فما كان من السلطة إلا ان أمتثلت لهذا الطلب الذي أصبح أمرا لا مفرّ منه. وفي خطاب 3  مارس 2011، دعى الرئيس المؤقت للجمهورية فؤاد المبزع إلى انتخاب مجلس وطني تأسيسي يتولى مهمة إعادة كتابة الدستور جديد يعكس طموحات الشعب، مضيفا إنه "سيظل في السلطة حتى إجراء انتخابات جديدة"، وإن "المجلس الوطني التأسيسي سيشرف على المرحلة الانتقالية" . وأعلن أن " كلّ إصلاح سياسي جدّي و عميق يحتّم إيجاد أساس دستوري جديد يعكس إرادة الشعب"، مؤكداً أن "الدستور الحالي لم يعد يستجيب  لطموحات الشعب بعد الثورة و تجاوزته الأحداث، علاوة على ما لحقه من تشويه، وأدخلت عليه تنقيحات عديدة تحول دون حياة ديمقراطيّة حقيقيّة و تشكّل عقبة في طريق تنظيم انتخابات شفّافة ...". وتبعا لذلك أعلن الرّئيس المؤّقت الدخول في   مرحلة جديدة تقطع مع النظام البائد، وتؤكد ممارسة الشعب لسيادته و تمهّد لانتخاب مجلس وطني تأسيسي[12].

الرئيس المؤقت "المنتظر"  و السلطة التأسيسيّة تجاه الثورة

      منذ تلك اللحظة اعترف نهائيّا بأن الثورة والدستور والديمقراطية متحّدة في جسد واحد. وقد اعلن عن ذلك  صراحة في المرسوم التأسيسي رقم 14 المؤرخ في 23 مارس 2011 الذي جعل من رئيس الجمهورية المؤقت بصفة استثنائية تماما، و غير متوقعة، السلطة التأسيسيّة للفترة الانتقالية الأولى، و ذلك بقطع النّظر عن صلاحيّاته التشريعية والتنفيذية. هذه الشرعيّة الثورية[13] واضحة في مطلع المرسوم المذكور :" حيث أن الشعب التونسي هو صاحب السيادة يمارسها عن طريق ممثليه المنتخبين انتخابا مباشرا، حرا ونزيها، وحيث عبّر الشعب أثناء ثورة 14 جانفي 2011 عن إرادة ممارسة سيادته كاملة في إطار دستور جديد،
وحيث أن الوضع الحالي للدولة، بعد الشغور النهائي لرئاسة الجمهورية في 14 جانفي 2011 كما أقر ذلك المجلس الدستوري في إعلانه الصادر بالرائد الرسمي للجمهورية التونسية المؤرخ في 15 جانفي 2011، لم يعد يسمح بالسير العادي للسلط العمومية، كما صار من المتعذّر التطبيق الكامل لأحكام الدستور،...". و نفهم من ذلك أنّ المرسوم يتميّز بطابع تأسيسي لا ريب فيها.    
     واستنادا إلى الشرعية الثورية، جاء هذا المرسوم ليحلّ المؤسسات الدستورية الرئيسية لدستور عام 1959، مثل مجلس النواب و مجلس المستشارين و المجلس الاقتصادي والاجتماع، والمجلس الدستوري. كما جاء ينظّم مؤقتا السلط العموميّة "إلى حين مباشرة مجلس وطني تأسيسي منتخب انتخابا عاما، حرا، مباشرا وسريا...مهامه" (الفصل الأوّل).  وهكذا أصبح المرسوم رقم 14 يمثّل الأرضيّة القانونية لجميع الإجراءات التطبيقيّة اللاحقة  المتخذة لإحداث المجلس الوطني التأسيسي، كالمرسوم التشريعي رقم 35 المؤرخ في 10  ماي2011 المتعلّق بانتخاب المجلس التأسيسي و كذالك للعملية الانتخابية برمتها. و يكشف هذا المرسوم الاستثنائي عن التعايش بين منطق الثورة ومنطق القانون.
       سيستمرّ هذا المنطق القانوني دون انقطاع وعلى نحو ذاتي  مستقلّ و متواصل.  فعلى  أساس المرسوم رقم 14  صدر المرسوم رقم35  وأجريت على أساسه انتخابات المجلس الوطني التأسيسي في 23 أكتوبر2011. وعلى نفس الأساس، اتخذت النصوص القانونية التي حرّرت  الحياة السياسية في البلاد، بما في ذلك مشاريع المراسيم المتعلّقة بالهيئة العليا المستقلة للانتخابات و بانتخاب المجلس الوطني التأسيسي وبالأحزاب السياسية وبالجمعيات وبالصحافة المكتوبة وبوسائل الإعلام السمعيّة و البصريّة.  وفي انتظار المصادقة على الدستور الجديد، أصدر المجلس الوطني التأسيسي القانون رقم 6 المؤرّخ في 16 ديسمبر 2011، وهو "الدستور الصغير" الثاني المتعلّق بالتنظيم المؤقت للسلطات العموميّة وبمقتضاه تمّ إلغاء دستور 1959 نهائيّا. و في النهاية صادق المجلس التأسيسي  على الدستور الجديد في 26 جافي  2014 و ختم الدستور في جلسة رسمية يوم 27 جانفي 2014. و هكذا أثمرت شجرة الثورة دستورها فهي ثورة "دستورانيّة".

لا حكومة الامر الواقع ولا حكومة ثورية

      في تجربة الثورة التونسية، هنالك مفارقة أولى تتمثّل في أنها تجنّبت حكومة الأمر الواقع[14]، ولم تمارس أيضا "الحكومة الثورية". و كان جميع صناع القرار يسعون دائما ألى تجنّب الأولى و الآخرى. حكومة الأمر الواقع هي الحكومة القائمة على مجرد الاستحواذ على الحكم دون أيّ سند قانوني. فالقانون الوضعي المكتوب المعروف والمنشور هو الذي رافق باستمرار عملية تحقيق أهداف الثورة.  ولكن، من ناحية أخرى، وعلى عكس ما حدث خلال الثورة الفرنسية، لم تلجأ التجربة التونسية إلى "الحكومة ألثورية"  التي قام بالتنظير لها ثوار لجنة الإنقاذ العام من الجاكوبيين المتطرّفين كروبسبيارو سان جست.
     و على عكس ما قد يعتقد، لا تمثّل نظريّة الحكومة الثورية، التي تم إقرارها من قبل المؤتمر الوطنيconvention nationale  بموجب الأمر الصادر في10  أكتوبر 1793، لا تمثّل بأي حال من الأحوال صنفا من أصناف حكومة اللاشرع أو الأمر الواقع، بل هي حكومة قانون، خاضعة بنفسها ومصدّرة لغيرها قوانين طوارئ استثنائيّة مثل قانون المشتبه بهم loi sur les suspects أو قانون المحكمة الثورية (الأمرالصادر في  10 جوان 1794)  .   وكانت تهدف الحكومة الثورية إلى حماية الثورة ضد أعداء الداخل والخارج من خلال تدابير قانونية استعجاليّة واستثنائية للإنقاذ العام،. وتتألّف هذه القوانين، حسب روبسبيار، من التدابير التي من شأنها أن تبعث الرعب فورا "...في معاقل اللصوص الأجانب التي تتقاسم فيها الغنائم وتشرب فيها  دماء الشعب الفرنسي[15]."
  و تبدو هذه العناصر واضحة في"التقرير عن مبادئ الحكومة الثورية" التي أعدّه ماكسمليان روبسبيار باسم لجنة الإنقاذ العام في 1793  و الذي وضع فيه تمييزا واضحا بين الحكومة الثورية والحكومة الدستورية. وبالفعل فقد كتب :: ن الغرض من الحكومة الدستورية هو الحفاظ على الجمهورية، أمّا الحكومة الثورية فإنّها   تؤسّس س لها. الثورة هي   حرب الحرية ضد أعدائها. أمّا الدستور فهو نظام الحرية المنتصرة والسّاكنة. تحتاج الحكومة الثورية إلى حراك غيرعادي تحديدا لأنها في حالة حرب [...] الحكومة الدستورية معنية في المقام الأول بالحرية المدنية؛ أمّا الحكومة الثورية فهي معنيّة بالحرية العامة. في ظل النظام الدستوري، يكاد يكفي حماية الأفراد من إساءة استعمال السلطة العامة؛ في ظل النظام الثوري، السلطة العامة نفسها مجبرة على الدفاع عن نفسها ضد جميع الفصائل التي تهاجمها"[16].
        ورغم الصراعات والعنف والقتل وتهديدات الحرب الأهلية، لم تلجأ الثورة التونسية إلى نظرية الحكومة الثورية ولم تمارسها ، بل الحقيقة أنّ وجوها من النظام السابق هي التي قامت بخدمتها و هذه خاصيّة مميّزة من خصائص الثورة التونسية وسبب من أسباب نجاحها.
           لم تكن الفترة الانتقالية الأولى راجعة لنظر أي جهة من الجهات الفاعلة في الثورة. أو المساندة لها. بل بقيت هذه الجهات بعيدة عن مراكز القرار الحكوميّة إلى حين انتخابات23  أكتوبر2011، ما عدا حضورهم كأعضاء في الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة التي كانت تمثّل حقّا صوت الثورة.  و لو تقلّد هؤلاء السلطة الحكوميّة لأدّى ذلك بالتّأكيد دافعا نحو فشل الفترة الانتقالية جرّاء الصراعات بينهم و تصادم الطموحات ألشخصية و الاتجاهات الفكريّة والانقسامات الأيديولوجية و الكلّ يدّعي لنفسه المشروعيّة و تمثيل الثورة. و هذا ما وقع فعلا من خلال فشل المجلس الوطني لحماية الثورة في فيفري 2011، وفشل حكومة الترويكا فيما بعد.

القسم الثاني : دستور لأي دولة ؟


       إنّ سيطرة الحزب الإسلامي على المجلس التأسيسي، على الرغم من مجاهرات مسؤوليه بالديمقراطية، أدخلت في نفوس الكثير من الناس شيئا من الرعب أمضى يتصاعد تناسبا و بالتوازي مع ممارساته و بعض مشاريعه الدستوريّة.
         من حيث الممارسة، وقبل انتخابات 23 أكتوبر 2011، ظهرت بوادر العدوانيّة على الليبراليين أو اللادينيين، وإن كان الحزب النهضاوي غير مسؤول عليها مباشرة، إلا انها عمّقت شعور التخوّف من الإسلام السياسي عامة.
       و من بين هذه الأحداث نذكر الهجوم على قاعة السينما أفريكا في جوان 2011 بسبب بثّ شريط نادية فاني "لا ربّ ولا سيد"، أو على  قناة نسمة في 7 أكتوبر 2011 بسبب بثّ "برسيبوليس"، أو بعض الحملات الدعائيّة الإسلامويّة في الجامعة. وفي وقت لاحق، بعد انتخابات 23 أكتوبر 2011 والسيطرة على السلطة من قبل حزب النهضة، وقعت  أحداث قصر العبدلية في جوان 2012 ثمّ الهجوم بالعنف ضد الفنانين أو المثقفين، والأماكن التي تستهلك فيها الخمور، كلّّ ذلك زاد في شعور الاحتقان و الغيض تجاه حزب الأغلبية الذي اعتبر مسؤولا عليها مباشرة او بصفة غير مباشرة و اتهم بأنّه يعمل "...على تغيير نمط المجتمع من مجتمع حداثي إلى مجتمع محافظ على الشاكلة الاخوانية[17]".

محاولات أسلمة الدستور.

أعتبرت الأحداث هذه من قبل الإسلاميين ضارة بالإسلام،  فتسبّبت في حملة عارمة ضدّ انتهاك المقدسات، أسفرت في النهاية إلى تقديم مشاريع تهدف إلى التنصيص في الدستوري، و بالتوازي مع تنقيح القانون الجزائي، على تجريم الاعتداء على المقدّسات[18].
و هكذا ورد بالفصل 4 من الباب الأول "المبادئ العامة" من مشروع مسودة الدستور المؤرّخ في 10 أوت 2012: "الدولة راعيّة للدين كافلة لحرية المعتقد وممارسة الشّعائر الدينية حامية للمقدّسات ضامنة لحياد دور العبادة عن الدعاية الحزبية". وفي الباب الثاني المتعلّق ب"الحقوق والحريات ورد فصل 2.3 يؤكد التجريم على النحو الآتي :"تضمن الدولة حرية المعتقد وممارسة الشعائر الدينية وتجرّم كلّ اعتداء على المقدسات الدينيّة".
      وهذا المضمون هو في الواقع ليس سوى عودة إلى مبدأ  "الشريعة الإسلامية مصدر أساسي من مصادر التشريع" الذي  تقدم به حزب النهضة في فيفري 2012 في الفصل10  من مشروع دستوره، ثمّ تنازل عنه في 25 مارس 2012، تحت ضغط منظّمات المجتمع المدني.
      لم يكن هذا النوع من المشاريع معزولا، بل هو جزء من تمشّ  شامل نحو أسلمة الدستور، دافع عنه عدد من أعضاء حزب النهضة مع موقف غير واضح من قبل قيادة الحزب.  بغضّ النظر عن المناقشات التي جرت في إطار "لجنة التوطئة والمبادئ العامة"، برئاسة رئيس كتلة النهضة، الصحبي عتيق، حول مكانة الإسلام، والشريعة، والأخلاق الإسلامية، صرّح  النائب الصادق شورو، المناضل السياسي و أحد كبار ضحايا الدكتاتوريّة و الرئيس السابق لحزب النهضة يوم23  جانفي 2012، أنه وفقا للإسلام، تدخل حركات الاحتجاج المعطّلة للمصالح و الأمن تحت طائلة أحكام الآية33  من سورة المائدة :"إِنَّمَا جَزَٰاء ٱلَّذِينَ يُحَارِبُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ وَيَسْعَوْنَ فِى ٱلأرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُوۤ أَوْ يُصَلَّبُو أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلَا ٰفٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ ٱلأرْضِۚ ذَٰلِكَ لَهُمْ خِزْىٌ فِى ٱلدُّنْيَا وَلَهُمْ فِى الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ".
     و زاد عدد من الأحداث الأخرى في تصلّب الرأي العام الديمقراطي ضدّ الإسلام السياسي و منها الخطاب الذي القاه حمادي الجبالي في نوفمبر 2011 مبشّرا فيه "بالخلافة السادسة" فانتشر إثرها الحريق.  كل ذلك بات ضالعا في تشكيل الاستقطاب الثنائي و سبكه من قبل الرأي العام ذاته. فانقسم بشكل واضح إلى ديمقراطيين ضدّ ثيوقراطيين،  ودينيين ضدّ علمانيين، و حداثيين ضدّ محافظين، كما استعملت تصانيف التحقير إلى تقدّميين ضدّ ظلاميين و مؤمنين ضدّ مرتدّين و  أصاليين ضدّ منبتّين.
      وبالتالي فإن مسألة العلاقة بين الإسلام والدستور احتكرت الأوليّة  في النقاش داخل المجلس الوطني التأسيسي وخارجه في المسائل المتعلّقة بالتوطئة و الفصل الأوّل من الدستور. وفي نهاية فيفري 2012 أعلن راشد الغنوشي أنه يمكن إضافة أن الشريعة هي المصدر الأساسي للتشريع في الفصل  الأول. فأثار قوله قلقا شديدا في صفوف انصار زمنيّة الدولة و مدنيّتها . ومن أبرز الأحداث التي جدّت بالمناسبة، مظاهرات 16 مارس 2012، للدفاع عن الشريعة في الدستور وكمصدر للقانون ولدعم فكرة الخلافة.  كانت شعارات تلك المظاهرات المرئيّة و المسموعة: "الشعب يريد تطبيق ألشريعة"،  "القرآن  دستورنا"، "لا قانون ولا دستور، الإسلام هو الحل"، "الشعب يريد الخلافة من جديد" ". تونس تونس إسلاميّة لا لا للعلمانية "، "لا علمانية ولا علمية، تونس دولة إسلامية"..
     و فورا بعدها نظمت تظاهرات عكسيّة معاديّة كانت أكثر عددا و أقوى صدى بمناسبة عيد الجمهوريّة يوم 20 مارس 2012  خاصة بشارع الحبيب بورقيبة بتونس العاصمة. و كانت أكثر شعاراتها ضد الأسلمة: "لا للشريعة"، "تونس دولة قانون لا دولة  فتاوى"، "تونس ليست أفغانستان" و " الشعب يريد دولة مدنية "،"دستور مدني يحمي الإسلام والمسلمين، لا لدولة إسلامية"،" جائعون والشريعة نهايتنا"[19] وكان هذا الحدث بالنسبة للبعض، بمثابة حفل أقيم للعلمانية.
       و في 25 مارس 2012، و بعد اجتماع لمجلس الشورى، أعلن راشد الغنوشي[20]، أن التصويت على الدستور بأغلبية مرييحة يقتضي الاكتفاء بالحد الأدنى من التوافق الذى حصل حول الفصل الأول من دستور 1959 و الاحتفاظ به كما هو في الدستور الجديد، علما و أنّ الحزبين الآخرين من الترويكا لم يساندا الإضافة للفصل الأول المقترحة. وأكد أمام جمهور مستمعيه أن نسبة تتراوح بين 80٪ و 90٪ من التشريع التونسي مستمدة من الشريعة  و أنّ تونس دولة إسلاميّة، حتى انّ العلماني بورقيبة رفض مبدأ المساواة في الميراث لأنّه يتعارض مع آية صريحة. و في انتظار أيام أفضل يتغيّر من خلاله وعي الشعب، أعلن أنه ليس من الضروري ذكر الشريعة كمصدر للتشريع في الدستور و أنّ الأحسن أن نكتفي بالفصل الأوّل على حاله.  وذكر أن الشريعة خلافا لمن يراها كالغول المخيف فإنها عدل وخير وتقدم و إنسانيّة. لذلك أعطى للمناوئين الوقت للتفكير في المسألة حتى يكونوا على بيّنة من الطبيعة التقدمية والإنسانية للشريعة.  ومع ذلك، أكد أنه متشبّث بتجريم انتهاك المقدسات.
     وعلى الرغم من الغموض والطبيعة الدبلوماسية لخطابه، فإنّه اعتبر خطاب هدوء و طمأنه، فلم يذكر منه سوى أنّه تنازل عن حكم الشريعة كمصدر للتشريع. و في النهاية، انعقد الإجماع على مضمون الفصل الأول من دستور 1959 و على استصداره الدستور الجديد. بل قطعنا شوطا إضافيّا في بلورة فكرة الدولة المدنية. وبالفعل، أضيف فصل ثان في مشروع غرّة جوان 2013[21]، يتعلّق بمدنيّة الدولة و مبدأ المواطنة و علويّة القانون، لم يسبق إدراجه في مشروع المسودة المؤرّخ في أوت 2012. ولكن من الواضح أن هنالك تباين بل لعلّه تضارب بين الفصلين الأول والثاني من الدستور، سيعود على كيفيّة تأويل الدستور و التّأليف بين متناقضاته.

تناقضات الدستور.

ظهرت نفس التناقضات و نفس التردّدات خلال مناقشة التوطئة و العديد من فصول ألدستور الأخرى، مثل الفصل 141 من الباب 8 من مشروع جوان 2013[22] المتعلّق بعدم قبول أي تنقيح لمبدإ أن الإسلام هو دين الدولة.  في نهاية المطاف حذف هذا الفصل وباتت تونس اليوم البلد العربي الوحيد الذي لم ينصّ صراحة في الدستور على أن الإسلام هو دين الدولة.
        و ظهرت نفس المواجهات بين وجهات نظر متعارضة حول الفصل 6 من الدستور. و في النهاية تمّت المصادقة على الفصل 6 مع ما يتضمّنه من تناقضات صارخة بين فكرة الدولة راعية للدين وحامية للمقدسات، وكافلة لحرية المعتقد و حريّة الضّمير و ممارسة الشعائر الدّينيّة و ضامنة لحياد المساجد عن التوظيف الحزبي و مانعة لدعوات التكفير[23]. أمّا الفصل 39 المتعلّق بحق التعليم، فقد شهد نفس الإطار السجالي الساخن و هو يحمل علامات التنازلات المتبادلة و المقايضة المتحصّل عليها في تسويات اللحظة الاخيرة و هي بمثابة الحلول التّأجيليّة  في انتظار ما يحدثه المستقبل. و يرى الاستاذ رافع ابن عاشور الأخ صديق الأعمار المهدى إليه هذا البحث، و هو يقيّم الدستور من زاوية حقوق الإنسان:"يبدو انّ اتجاهين متناقضين يتبلوران في الدستور الجديد: توسيع نطاق التقيّد بالمعايير الدولية لحقوق الإنسان من جهة، معدّل بشيئ من الحذر تجاه المعايير نفسها من جهة أخرى[24]". ولكن يمكن أن تمتدّ هذه الملاحظة إلى مجالات أخرى ومتعددة من الدستور.
       وفي نهاية الأمر، هل يجيب الدستور عن هذا السؤال البسيط:  دستور لأي دولة؟

      إنّ الردّ عن السؤال إيجابي بالتأكيد، وخاصة في ما يتعلّق بالفصول المخصّصة للحقوق والحريات الأساسية، والأحكام المتعلقة بميزان السلط، وكذلك الفصل 49 في  شأن الشروط المفروضة على السلطة التشريعية إذا أرادت أن تضع قيودا على ممارسة الحقوق والحريات الأساسية، ومراقبة دستورية القوانين من قبل المحكمة الدستورية، والضمانات الدستورية لاستقلال القضاء.  جميع هذه المسائل تندرج  في إطار الفقرة 3 من التوطئة التي يمكن بحق أن تعتبر ميثاقا ديمقراطيا مصغّّر و هذا نصّها: "تأسيسا لنظام جمهوري ديمقراطي تشاركي، في إطار دولة مدنية السيادة فيها للشعب عبر التداول السلمي على الحكم بواسطة الانتخابات الحرة وعلى مبدإ الفصل بين السلطات والتوازن بينها، ويكون فيه حقّ التنظّم القائم على التعددية، وحياد الإدارة، والحكم الرشيد هي أسا س التنافس السياسي، وتضمن فيه الدولة علوية القانون واحترام الحريات وحقوق الإنسان واستقلالية القضاء والمساواة في الحقوق والواجبات بين جميع المواطنين والمواطنات والعدل بين الجهات".
       لكن، وكما لاحظنا سابقا، يحتوي الدستور على أحكام عائمة ومرتخية أو حتى متناقضة. و هذه التناقضات ليست إلا انعكاسا للانقسامات الاجتماعية والثقافية والأيديولوجية و اختلاف الاتجاهات الدينية في المجتمع التونسي نفسه، ولكنها توجد  أيضا داخل الشخص الواحد، أو نفس الحزب أو المجموعة، كما يبيّنه البرنامج الدستوري لكتلة النهضة في المجلس الوطني التأسيسي. 
برنامج كتلة النهضة في المجلس الوطني التأسيسي (28 فيفري 2012)

تتضمّن هذه الوثيقة التوجيهية الصادرة عن كتلة النهضة بالمجلس الوطني التأسيسي برنامج عملها و مبادئه الأساسيّة. تعرض هذه الورقة تحت عنوان "التأطير" أفكارها المتعلّقة بتأسيس الدستور. فتقول إنّ الدستور يجب أن يكون مؤسّسا "...على منظومة القيم الإسلاميّة لتحقيق المصالحة بين هويّة شعبنا ومرجعيته الثقافيّة وبين النصوص التي تحكمه. فهذه المنظومة ليست مجرد شعار يوضع في الدستور فحسب بل لا بدّ من الاستلهام منها والاعتراف بها كمكوّن حضاري رئيسي للمنطقة وكوجود سياسي وكنفوذ في القوانين الأساسيّة للدولة وضبط التشريعات المنظمة للمجتمع وحضور على مستوى التربية والثقافة". و حول العلاقة بين الدّين و السياسة و التشريع تضيف الوثيقة أنّه يجب "... صياغة دستور يحترم المرجعيّة التشريعيّة على نحو لا يناقض ثوابت القرآن والسنّة النبويّة، فلم يعرف الإسلام في نصوصه ولا تاريخه فصلا بين الدّين والسياسة أو بين الزمن والروحي فالسياسة منشط يرتقي إلى أعلى درجات العبادة. والدين لا يمكن أن يكون شأنا خاصّا في الضمير الداخلي إنّما هو نظام عام ومنهج للحياة. والفصل بين الدّين والسياسة يناقض رسالة الإسلام وفكرة غريبة عن روح الإسلام و مقاصده وتاريخه وكلّ من رام عزل الإسلام عن الواقع فقد مسّ بنية الفكر الإسلامي . فهو عقيدة وعبادة وخلق وشريعة متكاملة هو منهاج كامل للحياة يتصل بحياة الفرد وشؤون الأسرة وأوضاع المجتمع وأسس الدولة وعلاقات العالم".
و من جهة أخرى تستند الوثيقة إلى المرجعيات الحديثة فترى أنّ يقوم المجتمع "على أسس الحريّة والمواطنة". و إنّ "...الحريّة قيمة إنسانيّة يقوم عليها وجود الإنسان في الكون ويرتكز عليها وجوده كمواطن في المجتمع وهي قيمة أخلاقيّة تؤسس لاحترام الآخر و لمبدأ الاختلاف..."  وتسترسل :"...إن ... إنسانيّته هي عنوان تكريمه من لدن الخالق عزّ وجلّ وهي مناط تكليفه. يقول تعالى:( ولقد كرّمنا بني آدم وحملناهم في البرّ والبحر ورزقناهم من الطيّبات وفضّلناهم على كثير ممّن خلقنا تفضيلا).[ الإسراء الآية70 ] وقال عمر بن الخطّاب (متى استعبدتم النّاس وقد ولدتهم أمّهاتم أحرارا)".  فالمنتظر من الدستور "تأسيس الدولة الديمقراطيّة" و هي دولة تعدّ فيها "...سيادة القانون مبدأ من مبادئ الدولة الدستوريّة العادلة. كما تقوم هذه الدولة على أساس نظام جمهوري برلماني يستأصل جذور الاستبداد الفردي".

       و لكن الغريب في هذا ألنصّ، عند تعرّضه للدولة المدنيّة، أنه يدّعي أنّ ..."الدولة في التصوّر الإسلامي مدنيّة تقوم على أساس الاختيار الحرّ والحاكم فيها لا يملك عصمة ولا قداسة والسلطة وكالة عن الأمّة تتأسس فيها الشرعيّة على إرادة الشعب وأساسها التعاقد. فمصدر الشرعيّة هو الشعب الذي له الحق وحده في توليه الحاكمين ومحاسبتهم وعزلهم واستبدالهم من خلال الإنتخاب الحرّ النزيه ولا يمكن لأي سلطة وتحت أي عنوان أن تلغي أصوات الناخبين".
     و هذا الكلام في الحقيقة هو تلاعب بالألفاظ وهو في غاية الخلط الاصطلاحي و المعنوي. و السبب في ذلك راجع إلى أنّ مفهوم "الدولة المدنية" لا يقبل البتّة فكرة بناء الدستور أو القوانين على المبادئ والتعاليم أو القواعد الدينية. فإنّك إذا تلفّظت بعبارة "دولة مدنيّة" فلا مناص من أنّك تعترف حتما بازدواجيّة و بذاتية وباستقلالية جهازي الدولة والدين من جهة و منظومتي التشريع و الشريعة من جهة أخرى. فإن قلت إن "الإسلام دولة المدنية" فإنّك تتناقض مع نفسك و لا يسعفك برهانا أن تقول إنّ "... الإسلام لم يعرف تلك السلطة الدينيّة التي عرفتها أروبا فليس في الإسلام سلطة دينيّة سوى سلطة الموعظة الحسنة وهي سلطة مخولة لكل المسلمين. والأمّة هي التي تولّي الحاكم وهي صاحبة الحقّ في السيطرة عليه وهي تخلعه متى رأت ذلك من مصلحتها فهو حاكم مدني من جميع الوجوه. فليس في الإسلام سلطة دينيّة بوجه من الوجوه والتعبير للإمام الأستاذ محمّد عبده"، لا يسعفك ذلك لأنّ الدولة الإسلاميّة دولة للمؤمنين وعلى رأسها أمير للمؤمنين أو خليفة لرسول الله، لا كنيسة فيها أجل، ولكن كل واحد  من هؤلاء المؤمنين في تلك الدولة له علاقة مباشرة بالله يسترشده في جميع أنحاء حياته و يستهديه و يستعينه باستمرار، و ما أبعد ذلك عن الدولة المدنيّة. فالدولة في الإسلام هي دولة في خدمة الدين و في سبيل شرعه لا تحيد عنه أبدا. فهي دولة دينية بأقوى معاني الكلمة. و من التناقض المحض أن ندّعي من جهة أنّ الإسلام "... لم يعرف ...في نصوصه ولا تاريخه فصلا بين الدّين والسياسة أو بين الزمن والروحي ...والدين لا يمكن أن يكون شأنا خاصّا في الضمير الداخلي إنّما هو نظام عام ومنهج للحياة" وأن نجزم من جهة أخرى بأنه "دولة مدنيّة". الإسلام "جنسيّة روحيّة"[25] و لا جنسيّة مدنيّة. 


الجزء الثالث: الانتخابات وتأويل الدستور 
.

هذه التناقضات في اختياراتنا الأساسية المتعلّقة بالمجتمع و بالنّظام السياسي سوف لا تزال تمثل بشكل دائم مستقبل مجتمعنا. و إن قامت الثورة بتغيير الأنماط الفكريّة  و تجليتها على أقلّ تقدير بفتح الحوار والنقاش العموميين، إلا أنه ليس بوسعها إعادة ترتيب العالم تماما.  و استبطان هذه التناقضات لهو بالتأكيد خطوة نحو مستقبل أفضل. ولكن أعماق الحياة قبل الثورة لا تزال بعدها قائمة والمستقبل هو الذي سيقرر ويوضّح الخيارات.
  
الحلول التوفيقية التّأجيليّة

       إجراء التوافق له أشكال. من بينها أنّه يمكن التوصّل الى حل توافقى يعكس فى الواقع إرجاء للقرار و حالة انتظار، و فى هذا الافتراض يكون  التوافق بمثابت "الوفاق التمهيلي"compromis dilatoire  حسب تعبير كارل شميت[26]. هذا النوع من الحلول يكرّس معا و في نفس الوقت مواقف متعارضة على طرفي نقيض.
       و بالرجوع إلى مسألتنا، يرى البعض أنّ المجتمع هو مصدر أحكامه يستنبطها حسب إرادته و أخذا بمصالحه، لا غير. لكن بالنسبة للآخرين، هذا المجتمع الذي يقرر مصيره لوحده، دون العودة إلى الذات الإلهية، ليس له معنى ولا قيمة ولا يشكّل شيئا سوى بحر من الخطايا جزاؤه الجحيم الإلاهي.
      و قد  وضع  دستور 2014 على نفس المغزل أقمشة متنافرة اللون والشكل، جرّاء استخدامه المنتظم للتوافق الإرجائي، وبالتالي فإنه كرّس، رغما من الثورة، و من النقاش العام بين الشعب والنخبة، و من المفاوضات، أو لعلّه نتيجة كلّ ذلك، كرّس حلا ليس هو بحلّ. وهذا دليل على أن قول الاستاذ علي مزغنّي ألآتي ذكره صواب: "إن التعايش بين منظومتين قانونيتين تتجاهل بعضها البعض، و هي ميزة الفترة الاستعمارية، تستبدل اليوم بالتصادم، داخل النظام الواحد، بين حلول متناقضة المنطق مسندة إلى أنماط لا تقبل التأليف بينها[27]".
     ولكن هل من دون ذلك مخرج؟ في غياب الانتصار الكامل لجهة على ألأخرى من خلال حرب أهلية، لا يسع للخيار الديمقراطي، لحسن الحظ، أن يأتي بحلول أخرى، و كأنّ قائلا يقول "لنضمّن تناقضاتنا في انتظار ما يقرّره المستقبل. و للغروب شروق".  سوف تتحقق التصفية بين هذه الآراء المتضاربة عن طريق تغيير العقلياّت ومن خلال مواصلة النقاش العام في المجتمع المدني والمجتمع السياسي، والعمل المشترك بين السياسات الحكوميّة،   والقوانين التي سيقرها مجلس نواب الشعب، والممارسات الإدارية، والسوابق القضائية من قبل المحاكم المدنية، و قرارات المحكمة الإدارية والأحكام القضائية الصادرة عن المحكمة الدستورية في المستقبل.

انتخابات دون إقصاء

           ما عدا الفصل 15 من المرسوم رقم35  الذي استبعد عن الانتخابات التأسيسيّة التجمعيين و المناشدين الذين ناشدوا بن علي للترشّح لانتخابات 2014، باءت كل محاولات الإقصاء و تحصين الثورة بالفشل[28]. وقد عرض مشروع قانون تحصين الثورة في نوفمبر 2012، فانتهت المداولة العامة حوله في 28 جوان 2013. وقد تابعه مشروع فصل 167 أضيف في 28 أفريل 2014 إلى مشروع قانون الانتخابات والاستفتاءات[29].  فصوّت له 66  نائبا فقط في 28 أفريل، ثمّ اقترحت 9  تعديلات[30]، جلّها  في اتجاه طرحه من القانون الانتخابي فلم تحظ بالقبول و في النهاية  رفض الفصل 167 في 30 أفريل2014  لعدم الحصول على الأغلبيّة المطلقة بفارق صوت واحد. وقد أعيد التصويت على النسخة المطوّلة وعلى أساس الفصل 93 من النّظام الداخلي للمجلس، و في 1 ماي 2014 رفض نهائيّا. و في خضمّ المعركة حول التحصين السياسي تمّ في 14 ديسمبر 2013 اقتراح إضافة باب عنوانه "التحصين السياسي للثورة" في القانون الأساسي المتعلق بالعدالة الانتقالية تم رفضه بدوره.        جميع هذه الاعتبارات تبيّن أن الصراع بين اليوتوبيا الثورية، بمعنى كارل مانهايم[31]، والواقعية التي تفرضها لعبة المفاوضات وضغط الأزمات كان سائدا باستمرار في أعمال المجلس الوطني التأسيسي. ولكن، وهذا يدرج ضمن سجل مفارقات الثورة التونسية، الواقعية كانت دائما هي المنتصرة.

انتخابات ضدّ...

لكن و فوق كل شيء آخر، ستتحقّق التسوية النهائيّة عن طريق اختيار الشعب، من خلال انتخابات عامة و نزيهة وتعدّديّة. الانتخابات هي، في الواقع، على الرغم مما يحسب عليها من نقاط الضعف والمتاهات، وحتى مخاطرها على البلدان غير المنسجمة، تشكّل الوسيلة الأقل سوءا في الاختيار والقرار. وذلك لأنّها تتيح للشعب فرصة ليصبح ترجمان دستوره.
      هذا ما يبدو من استقراء آخر انتخابات تشريعية ورئاسية في أكتوبر وديسمبر2014. تمحورت هذه الانتخابات حول الخيارات الأساسية للمجتمع، كما تبيّنه على حدّ سواء الحملات والنتائج الانتخابية التي أكّدت كلتاهما الاستقطاب الازدواجي داخل المجتمع التونسي.
      إنّ التحدي الهائل الذي حمله الباجي قائد السبسي في 26  جانفي 2012 والذي تحقق في وقت لاحق بإنشاء حزب نداء تونس  ليس فحسب من نوع "ها هو الرجل"، و هذا هو الفذّ. بل يمثّل من وراء ذلك، ما كانت تصبو إليه غالبية التونسيين حول مجتمعهم و هويتهم و كونيّتهم على أديم أرضهم في حدودهم الضيّقة و تاريخهم الواسع و الالتذاذ بما هم في شرنقة آبائهم و أجدادهم وأبنائهم و أحفادهم.
        و قد أجاد هذا الرجل الشيخ المتحدي الذي اسماه التونسيون بشيء يختلط فيه المزاح والحنان "البجبوج"، في تلخيص آمال أغلبيّة التونسيين عبر جملة بسيطة أعلى من الجبال: "دولة مدنية، لشعب مسلم". و هذا يمثّل تـأليفا بين الفصل الأول من الدستور، الإسلام دين الشعب لا دين الدولة، و الفصل الثاني، "تونس دولة مدنيّة تقوم على المواطنة..." و لا على المؤامنة.
        و كما لاحظ بعض المحلّلين[32]، صوّت التونسيون لأحد خيارين لا ثالث لهما، الأول يرى أن الإسلام هو الحلّ، والثاني بتواضع يقول إن المدنيّة هي السبيل. يكتب الهاشمي الطرودي في هذا  المضمار:"إنّ بلادنا لم تحسم، كباقي بلاد ما يوصف بالربيع العربي في هويّة المجتمع، لم تظفر، بعد، بإجابة جامعة حول السؤال الكبير، وهو أي مجتمع نريد؟ لا يزال هذا السؤال يؤرّق الجميع، في هذه المرحلة المفصلية، رغم التوصّل إلى دستور توافقي، فنخبنا السياسية والثقافية وعموم الجسم الاجتماعي لا تزال موزّعة بين فريقين، فريق يجيب نريد المجتمع الذي بشّر به مشروع الإسلام السياسي والأخر يجيب نريد المجتمع الذي يبشّر به مشروع التيار الحداثي الديمقراطي"..
        و الخطأ الاستراتيجي الأثقل الذي ارتكبه الرّئيس المترشّح المنصف المرزوقي يتمثّل في أنه حصر نفسه رغم أنفه و جرّاء سلسلة من الأخطاء الفرعيّة الاتصاليّة و التكتيكيّة مستعينا بمستشرين محدودي النظر و الخبرة، في إطار التديّن السياسي الذي يعتبره جلّ التونسيين تديّن مزيّف يستنكرونه و يكرهونه. و هكذا وقع في الفخّ المنصوب من قبل منافسيه. فإن غالبية التونسيين خاطروا بمصيرهم السياسي، أوّلا باختيارهم شيخا تجاوز السنّ المعروف و ثانيا بما هو أخطر وهو احتمال قوي يخصّ رجوع اعداء الثورة من التجمعيين. و وصل الأمر بالنّاخبين إلى درجة أنّهم فضّلوا كل هذه الأخطار على إعادة تنصيب الترويكا أو ما شابهها و إرجاع كارثيّة مشروع الدّين السياسي، غير مكترثين بالتمييز بين المعتدل والمتطرف، و غير متناسين المقترحات الدستوريّة الإسلاموية في المجلس الوطني التأسيسي و خارجه. فانتخبوا مجازفة و دون اعتبار الدقائق لمن هو ضدّ...

  التنسيق بين الأضداد واختيار المواطنة على حساب المؤامنة
                
من خلال التصويت لهذا الشعار، "دولة مدنية، لشعب مسلم" اختار الناخبون في الواقع تأويلا معيّنا للدستور، وحسموا قضيّة حلوله المجزّأة بين منزلتين، نتيجة التوافقات التأجيليّة المذكورة آنفا. و هكذا تمّت نقلة نوعيّة من التوافق إلى  التناسق والتأليف . و أول ما يذكر في هذا الصدد الفهم التوحيدي للفصلين الأول والثاني من الدستور. ويعني الفصل الأول حسب التحكيم الانتخابي أن الإسلام هو دين أغلبية الشعب التونسي و هذا يعادل وصفا سوسيولوجيا حول التديّن و الثقافة و العادات والحضارة بالنّسبة للأغلبية. أمّا "الدولة المدنية" المنصوص عليها في الفصل الثاني فإنها تعادل حكما حقوقيّا قانونيّا وتشريعيّا للأمّة جمعاء.  فالشعب اختار المواطنة على حساب المؤامنة السياسيّة.
        إنّه اختار نمطا مجتمعيّا ومنوال حياة على حساب الأسماء والأشخاص والبرامج والأحزاب. وبتصويتهم لفائدة نداء تونس صوّت أكثر التونسيين للعلم الأحمر، علم الفصل الرابع من الدستور[33] ضد العلم الأسود الذي حاول البعض ارتزازه في مبنى الجامعة التونسية، إنّهم صوّتوا لدولة الفصل الثاني، "الدولة المدنية"، ضدّ الدولة الدينية المختبئة في ثنايات الفصل 6  أو في توطئة الدستور؛ إنهم صادقوا على حذف الإشارة إلى أن الإسلام هو دين الدولة، جاعلين من الدستور التونسي الوحيد من نوعه في العالم العربي؛ إنّهم اعتمدوا مبدأ الإسلام كدين وثقافة وحضارة ضد إسلام الشريعة والحدود وتعدد ألزوجات والتمييز الجنسي؛ إنهم صوّتوا لصالح حرية ضمير الفصل6  ضد الدولة الأخرى في ثنايات أخرى من الفصل 6، الدولة الراعية للدين و الحامية للمقدسات؛ إنهم اختاروا دولة الفصل 42 الحديثة والمفتوحة ضدّ دولة الفصل 39 التي "تعمل على تأصيل النّاشئة في هويتها العربية الإسلامية؛. انهم صوّتوا لصالح القانون الوضعي المتفاوض فيه أفقيا بين الناس ضد الشريعة كمصدر فوقي للتشريع؛ إنّهم صوّتوا لحقوق الأرض ضدّ حقوق السّماء ولنظام الفقرة3  من التوطئة، النّظام الجمهوري والديمقراطي؛ إنّهم صوّتوا ضد الخلافة أو بالأحرى ضدّ خلافتهم الوهميّة المستخرجة من رقيّات علم التاريخ الخاص بهم، رقيات دستور دولة الخلافة لحزب التحرير و الخلافة السادسة و ما شابهها، و دعني أسأل هل يا ترى كانت فيها أولى و خامسة. هكذا اجتهد النّاخب في دستوره.

خاتمة.

        أمّا الشيء الأكثر مفاجأة في سجل مفارقات الثورة  و ما يميّزها  من حيث الجماليّة السياسية العامة للفترة الانتقالية، فإنّه يتمثّل في أن دستور 27 جانفي 2014 الديمقراطي والتعددي، الذي كان تتويجا للثورة غير مأمول فيه، قد وضعه مجلس تأسيسي  وحكومة مسيطر عليهما من قبل حزب إسلامي. وحقيقة الأمر أن هذا الدستور انتزع انتزاعا من المجلس الوطني التأسيسي تحت ضغط ألشارع لا سيما طيلة صيف 2013 و من خلال انسحاب عدد من النواب من  أعمال المجلس في أوت 2013 و تعليق أعماله بقرار رئيسه في 6 أوت 2013 و تحت تأثير الجمعيات الديمقراطية في للمجتمع المدني وأحزاب المعارضة، والحوار الوطني بشتى مراحله.
       الميزة الأساسية للثورة تتجسّد في أنّ الدستور التونسي كان  نتيجة مناقشة واسعة و مفتوحة أجريت في أعماق المجتمع نفسه. و في هذه التجربة لم يعد المجتمع  تحت الوصاية كما كان في العهد البورقيبي. و من أهم  حقائق المسار الدستوري و أبرزها أنّ الدستور بات يعكس حقّا انتظارات المجتمع وتخوّفاته و تناقضاته، و قد أصاب غازي غرايري عندما قال إنّ الدستور ". .. هو نتاج مجتمع بأكمله...و الأهم من نص الدستور، سياق كتاباته الذي يبدو علامة مجتمع هائم بحقوقه، واع بقوته ملزّا الطبقة السياسية إلى العمل تحت مراقبته المتبصّرة". 
       وشاركت وسائل الإعلام والصحافة يوميا في صياغة الدستور، طوال الفترة ألانتقالية عن طريق البحوث و التحليلات الاستشرافية و الجدل و والمقترحات. وكان الخبراء التونسيون في طليعة المنشور و المسموع بالصحافة ووسائل الإعلام.  و لا ننس ما كان للمظاهرات والاحتجاجات من أثر على المسار الدستوري، و بالخصوص في صيف 2013. وبجانب ذلك نظّم المجلس بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي استشارات وطنيّة  في المناطق ومع منظمات المجتمع المدني ابتداء من 16 ديسمبر 2012.
        و نظّم برنامج الأمم المتّحدة الإنمائي عدة ملتقيات مع المجلس التأسيسي. و بالرّغم من أنّ الثقافة الدستورانيّة كان لها بحكم الضرورة صدى ذو وزن في أعمال المجلس التّأسيسي إلا أنّ التداول العمومي حول الدستور و في  إعداد الدستور نفسه لم يكن في شيئ مقلّدا أو ناسجا على منوال مستورد. ولجأ المجلس إلى استشارات لدى مؤسّسات أو خبراء أجانب، مثل لجنة البندقية أو الاتحاد البرلماني الدولي. أمّا المفوضيّة السامية لحقوق الإنسان فقد تدخّلت في قضايا حاسمة من حقوق الإنسان. و ساهمت ايضا منظمات أخرى مثل هيومن رايت وتش ومنظمة العفو العام الدولي و مركز كارتار و المعهد الدولي للديمقراطيّة و المساعدة الانتخابيّة في العمل التأسيسي بصفة غير مباشر عن طريق التقارير و المراسلات والملتقيات، إلا أنّ دستور 27 جافي يبقى  فوق كل شيء نتيجة للمواطنة النّاشئة.
        ثورة دون حكومة اللاشرع، دون حكومة ثورية، دون قوانين ثورية استثنائيّة للإقصاء و التحصين، دون حرب أهلية... ودستور ديمقراطي وتوافقي، دون تدخل أجنبي لفرض الديمقراطية، كل ذلك  في ظلّ ائتلاف يسيطر عليه حزب ديني...هذه هي مفاتيح يدّ  التاريخ الغيبيّة التي أنجحت الثورة التونسيّة في طريقها نحو الدستور. "اليد الغائبة" ليست حكرا على علماء الاقتصاد، إنها صالحة لعلوم الحقوق و القانون.


[1] Raymond Carré de Malberg, La loi expression de la volonté générale, Réédition, Economica, préface de Georges Burdeau.
[2] Dire de l'abbé Sieyes, sur la question du veto royal, à la séance du 7 septembre 1789,    اttps://play.google.com/books/reader?id=7ilCAAAAcAAJ&printsec=frontcover&output=reader&authuser=0&hl=en&pg=GBS.PA19

[3] عياض ابن عاشور، الفاتحة الأخرى، الإسلام و فكر حقوق الإنسان، ترجمة فتحي بن الحاج يحيي،  دار الجنوب، ص 233.
[4]   حزب التحرير الصفحة الرءيسيّة،  25 ذو القعدة 1432ه  2011/10/23م
http://www.hizb-ut-tahrir.org/index.php/AR/wshow/1133
[5]  حزب التحرير الصفحة الرءيسيّة،8  رجب 1432هـ.-  2011/06/10م، نفس المرجع.
[6]   رشاد الإمام، التفكير الإصلاحي في تونس، دار سحنون للنشر والتوزيع، 2010، ص 241 و444.
[7] Victor Silvera, «  Le Régime Constitutionnel de la Tunisie. La Constitution  du  1" Juin 1959 », Revue française de science politique, 10e année, n°2, 1960. P. 372.

[8]   عبد الفتّاح عمر و قيس سعيّد، نصوص و وثائق سياسيّة تونسيّة، مركز الدراسات و البحوث و النشر، 1987، ص 88.
[9]    زين العابدين السنوسي، الدستور التونسي، نصوص و دراسات، مطبعة العرب، الطبعة الأولى، 1952.
[10]  المتكوّنة حسب بيانها التّأسيسي من رابطة اليسار العمالي و حركة الوحدويين الناصريينو حركة الوطنيون الديمقراطيون و الوطنيون الديمقراطيون (الوطد) و  التيار البعثي*و اليساريون المستقلون و حزب العمال الشيوعي التونسيو حزب العمل الوطني الديمقراطي.
[11]  المجلس الوطني لحماية الثورة، الصفحة الرسميّة. https://www.facebook.com/cnpr.tn
[12]  يمكن مشاهدته مباشرة https://www.youtube.com/watch?v=5Uy1lPCAHyU
[13] Rafaa et Sana Ben Achour, « La transition démocratique en Tunisie : entre légalité constitutionnelle et légitimité révolutionnaire », Revue française de droit constitutionnel, n° 92,  2012, p.715.

[14]   مما يفنّد مقال الأستاذين حاتم مراد و محمد العربي فاضل موسى:
« La transition est un processus politique exceptionnel, complexe, peu ordinaire et non institutionnalisé, un processus s’appuyant généralement sur des procédures et des techniques propres à un ordre transitoire évanescent, flou… Il s’agit au surplus .d’un processus conduit par des organes de fait, peu représentatifs, dont la mise sur pied est souvent improvisée.» A.F. Moussa et Hatem Mrad, La transition démocratique à la lumière des expériences comparées, colloque international tenu les 5, 6 et 7 mai 2011, introduction, page 5.                                                                       
[15] Maximilien Robespierre, Rapport sur les principes du gouvernement révolutionnaire », p. 15.  Centre historique des archives nationales – atelier de photographie. Consulté sur le site « l’histoire par l’image ». http://www.histoire-image.org/site/etude_comp/etude_comp_detail.php?i=275

[16] Maximilien Robespierre, Rapport sur les principes du gouvernement révolutionnaire », p. 3.  Centre historique des archives nationales – atelier de photographie. Consulté sur le site « l’histoire par l’image ». http://www.histoire-image.org/site/etude_comp/etude_comp_detail.php?i=275

[17]  أعليّة علاني، الإسلاميون التونسيون من المعارضة إلى الحكم، تونس 2014،
  [18]     مشروع تنقيح الفصل 165 من القانون الجزائي.
[19]   بالفرنسيّة Nous avons faim la charia est notre fin » »
[20]  https://www.youtube.com/watch?v=83QXBVtUmsE
[21]   الفصل 2. تونس دولة مدنية، تقوم على المواطنة، وإرادة الشعب، وعلوية القانون.

[22]   الفصل 141. لا يمكن لأي تعديل دستوري أن ينال من:
ـ الإسلام باعتباره  دين الدولة،
ـ اللغة العربية باعتبارها اللغة الرسمية،
ـ النظام الجمهوري،
ـ الصفة المدنية للدولة،
ـ مكتسبات حقوق الإنسان وحرياته المضمونة في هذا الدستور،
ـ عدد الدورات الرئاسية ومددها بالزيادة.

[23]  الفصل 6:" الدولة راعية للدين، كافلة لحرية المعتقد والضمير وممارسة الشعائر الدينية، ضامنة لحياد المساجد ودور
العبادة عن التوظيف الحزبي.
تلتزم الدولة بنشر قيم الاعتدال والتسامح وبحماية المقدّسات ومنع النيل منها، كما تلتزم بمنع دعوات التكفير والتحريض على الكراهية والعنف وبالتصدي لها".
[24] Rafaa Ben Achour, «La constitution tunisienne du 27 janvier 2014 », Revue française de droit constitutionnel, numéro 100, décembre 2014, p.785.

[25] Alphonse de Lamartine, La vie de Mahomet, Cérès éditions, réed.2007 , p.199.
[26] Carl Schimitt, , Théorie de la Constitution, [1928], trad. L. Deroche, Paris, PUF,  Quadrige, 2008, p. 162.

[27] Ali Mezghani, L’Etat inachevé. La question du droit dans les pays arabes. Éditions Gallimard,  2011, page 272.

[28] Hatem Mrad : « Le projet de loi d’exclusion, entre  calcul politique et esprit de vengeance », in, Tunisie : de la révolution à la constitution, éd.Nirvana,2014,  p. 155 et s.
السياسي من منظور القانون الدولي، الطريق الجديد، عدد 309، 5-11 جانفي . 2013. التحصين ", سلمى السميري و سليم اللغماني
[29]  و نصّه :"لا يمكن أن يترشّح لانتخابات مجلس نوّاب الشّعب كلّ من تحمّل مسؤوليّة صلب الحكومة في عهد الرّئيس المخلوع باستثناء من لم ينتم من أعضائها إلى التّجمع الدّستوري الدّيمقراطي المنحلّ. كما لا يمكن التّرشّح لكل من تحمّل مسؤوليّة في هياكل التّجمّع الدّستوري الدّيمقراطي المنحلّ وفق مقتضيات الأمر عدد 1089 المؤرّخ في 3 أوت 2011.و تبقى هذه الأحكام سارية المفعول إلى حين تطبيق منظومة العدالة الانتقاليّة وفق الفقرة 9 من الفصل 148 من الدّستور".

[30]   التعديلات المقترحة

المقترح 9: إضافة أو الانتخابات الرئاسية فيصبح الفصل كما يلي: "لأا يمكن أن يترشح لانتخابات مجلس نواب الشعب أو الانتخابات الرئاسية كل من تحمل مسؤولية صلب الحكومة في عهد المخلوع ... مع المحافظة على بقية الفصل.
المقترح 8: الفقرة 1 يصبح نصها كالآتي: "لا يمكن أن يترشح للانتخابات المقبلة لمجلس نواب الشعب كل من تحمل مسؤولية سياسية صلب الحكومة أو صلب رئاسة الجمهورية في عهد الرئيس المخلوع باستثناء من لم ينتم من أعضاء هاتين المؤسستين إلى التجمع الدستوري الديمقراطي المنحل"
المقترح 7: إعادة صياغة الفصل على النحو التالي: "لا يمكن أن يترشح لمجلس نواب الشعب كل من تحمل مسؤولية صلب الحكومة في عهد الرئيس المخلوع.
كما لا يمكن الترشح لكل من تحمل مسؤولية في هياكل التجمع الدستوري الديمقراطي المنحل وفق مقتضيات الأمر عدد 1089 المؤرخ في 3 أوت 2011 و لا يمكن الترشح لكل من تلى بين 7 نوفمبر 1987 14 جانفي 2011 احدى المهام التالية:مدير أو عضو بديوان رئيس الجمهورية أو رئيس مجلس النواب ،مرشح الحزب المذكور لمجلس النواب أو رئيس مجلس بلدي ممن ترشح على قائمات الحزب المذكور
لا يمكن كذلك الترشح لكل من ناشد زين العابدين بن علي للترشح لمدة رئاسية جديدة لسنة 2014 و تضبط في ذلك قائمة من قبل الهيئة العليا المستقلة للانتخابات.
و تبقى هذه الأحكام سارية المفعول إلى حين تطبيق منظومة العدالة الانتقالية طبقا للفقرة 9 من الفصل 148 من الدستور.
المقترح 6: إضافة فقرة: " و يمنع من الترشح لانتخابات مجلس نواب الشعب كل من شارك في منظومة الفساد و الاستبداد في عهد الدكتاتور المخلوع"
المقترح 5: يخضع العزل السياسي لقانون العدالة الانتقالية
المقترحات 1 و2 و3 و4: حذف الفصل.المرجع بوصلة: http://majles.marsad.tn/lois/loi_electorale/article/167


[31] Karl Mannheim, Idéologie et utopie. Une introduction à la sociologie de la connaissance. Paris: Librairie Marcel Rivière et Cie, 1956.  Collection: Petite bibliothèque sociologique Internationale. Série B: Les classiques de la sociologie.

[32]  الهاشمي الطرودي،  "وهم الانتخابات على البرامج . الانتخابات  القادمة هي بالأساس  انتخابات على المشاريع المجتمعية، جريدة  المغرب، الجمعة 19 سبتمبر .2014.
[33] ّّ  الفصل 4"علم الجمهورية التونسية أحمر، يتوسّطه قرص أبيض به نجم أحمر ذو خمسة أشعة يحيط به هلال أحمر.."،